حكاية مريد الشيخ أبى الحسن الخرقانى قدس الله سره
في جملة أحوال وأقوال الشيخ الخرقاني التي يحتفي به مؤلفو كتب التراجم والطبقات، وردت رواية قصيرة عند السمعاني وفريد الدين العطار وعبد الله الأنصاري الهروي والجامي في نفحات الأنس جاء فيها: أن أبا علي ابن سينا لمّا
سمع أخبار أبي الحسن قصده، وجاء إليه، كما زار أبو سعيد ابن أبي الخير المتصوف
الفارسي الشهير، فلمّا وصل الباب ودقّه، خرجت
إليه امرأته وقالت: ما تريد؟ قال أبو علي: أريد الشيخ أبا الحسن. قالت المرأة: ذلك
الزنديق الكذّاب، فلِم تعبت لأجله؟ قال أبو علي: لا غنى لي من صحبته. قالت المرأة:
ذهب يحتطب. فخرج أبو علي إلى الصحراء في طلبه، فرآه يجيء وقد حمل الحطب على أسد ويسوقه،
فحصل لأبي عليّ من ذلك حال وتعجّب في شأنه، فلمّا وصل إليه، قال أبو الحسن: لا تعجب
من هذا، نحن حملنا على أنفسنا حمل ذلك الذئب- يعني المرأة- فلا جرم أنّه حمّل الأسد
حملنا وكارتنا !
أخذ هذه المروية ووظفها في صورة جميلة مولانا جلال الدين الرومي في المثنوي، ولأن فيها دروسًا كثيرة ومعارف صوفية جليلة القدر أنقلها لكم هنا حتى تتمكنوا من قراءتها والإفادة منها
الحكاية
- ذهب درويش من مدينة الطالقان، على صيت أبى الحسن الخرقانى.
- قطع الجبال و الأودية الشاسعة، من أجل رؤية الشيخ ذى الصدق و الضراعة.
- و ما رآه فى الطريق من جهد و عنت بالرغم من أنه جدير بالذكر إلا أننى اختصره.
- و عندما وصل من الطريق إلى مقصده ذلك الشاب، بحث عن عنوان منزل ذلك السلطان"للعارفين".
و عند ما قرع حلقة باب داره بكل احترام،
أخرجت أمرأة رأسها من "خوخة"الباب.
- قائلة: ما ذا تريد؟ قل يا ذا الكرم
قال: جئت قاصداً الزيارة.
- فضحكت المرأة قائلة: مرحى. . . مرحى. . . أنظر إلى هذه اللحية. . . و انظر
إلى هذا الشعر. . . و هذه المشقة! ! - فلعل عملاً لا يشغلك فى موطنك ذاك، حتى عزمت
على السفر فى سبيل لا شيىء! ! - أو لعل اشتهاءً لكى تخدع قد راودك، أو غلب عليك الملل
من وطنك! !
- أو أن الشيطان وضع فى فمك خطاما، و وسوس لك بالسفر.
- و قالت ما لا يليق من فحش و سب، مما لا أستطيع أن أعيده «على مسامعكم»
! - و ساقت من الأمثال الساخرة ما لا يدخل
فى حساب، فسقط ذلك المريد من الغم فى حفرة (من اليأس) !
و طفرت الدموع من عينيه و قال، مع كل هذا، أين ذلك السلطان حلو الاسم؟ !
- قالت: ذلك المزور المحتال الفارغ، شبكة الحمقى، و وهق الضلالة؟
- إن مئات الآلاف من أمثالك من السذج، قد سقطوا من جرائه فى مائة عتو! !
- فلو لم تره و عدت فى أمان الله، يكون خيرا لك، و لا تضل و تغوى من جرائه.
- إنه يتفنج بالدين، لاعق للأطباق آكل بالمجان، و صيت طبله قد مضى إلى أطراف
الديار.
- هؤلاء القوم من قوم موسى عبدة العجل،
وإلا فلما ذا يتحسسون بأيديهم هذا
الثور؟ ! - إنه جيفة الليل و بطال النهار، كل من اغتر بهذا الشره الأكول! !
- لقد ترك هؤلاء القوم مائة علم و كمال، و تمسكوا بالمكر و التزوير، فما هذا
الحال؟ ! - فأين آل موسى؟ ! أسفى عليهم، حتى يسفكون الآن دماء عبدة العجل! ! - لقد
ألقوا بالشرع و التقوى وراء ظهورهم، فأين عمر؟ و أين الأمر الحازم بالمعروف؟
- لقد تفشت الإباحية من هذه الجماعة، و صارت رخصة لكل مفسد محتال! ! - فأين
طريق الرسول و صحابته؟ ! و أين صلاته و تسبيحه و آدابه؟ !
فصاح بها الشاب، و قال، كفى، إننا فى ضوء النهار فمن أين جاء العسس؟ !
- إن نور الرجال ملأ طباق الشرق و الغرب، فسجدت السموات له دهشة.
- و شمس الحق سطعت من الحمل، فتوارت شمس"الفلك"بالحجاب خجلاً.
- و متى تحولنى ترهات شيطانة مثلك عن تراب هذه الدار؟ !
- فأنا لم آت بريح كأننى سحاب، حتى أعود من جراء غبار عن هذا الجناب.
- إن العجل مع ذلك النور صار قبلة للكرم، و القبلة بدون ذلك النور صارت كفراً
و وثناً.
- إن الاباحة التى جاءت من الهوى تكون ضلالاً، و الإباحة التى جاءت من الهدى
صارت كمالاً! !
- لقد صار الكفر إيماناً و أسلم الشيطان، فى تلك الناحية التى سطع فيها النور
الذى بلا حد.
- إنه مظهر العزة و المحبوب بحق، و حاز على كل الملائكة المقربين قصب السبق.
- و السجود لآدم بيان عن سبقه، و القشر دائما ما يسجد للب! !
- إنك تنفخين في الشمع الإلهى أيتها العجوز، و تحترقين أنت و باطنك يا نتنة
الفم.
- فمتى يصير البحر نجساً من فم كلب، و متىٰ تغيب الشمس من نفخة؟ !
- و حتى أن كنت تحكمين بالظاهر، أى
شيىء أطهر من ذلك النور؟ !
هيا، قولى - و كل الظواهر أمام هذا الظهور، تكون فى غاية النقص و منتهى القصور
- و كل من ينفخ فى الشمع الإلهى، متى ينطفىء هذا الشمع؟ إنه يحرق فمه! !
- و هناك خفافيش مثلك ترى كثيراً فى النوم أن الدنيا قد تيتمت من الشمس! !
- و الأمواج المتلاطمة لبحار الروح، هى مائة ضعف لما كان عليه طوفان نوح.
- لكن الشعر كان قد نبت في عينى كنعان، فترك نوحاً و سفينته، و آوى إلى الجبل.
- و جرفت نصف موجة الجبل و كنعان فى تلك اللحظة حتى قاع المهانة.
- إن القمر يبسط نوره و الكلاب تنبح، و متى يرتع الكلب فى نور القمر؟ !
- و السراة يرافقون القمر فى سيرهم، و متى يتركون سيرهم من نباح الكلاب؟ !
-
و الجزء مسرع نحو الكل إسراع السهم، و حتى يتوقف من أجل عجوز فى الغابرين؟
! - و العارف هو روح الشرع و هو روح التقوى، و المعرفة هى محصول ما سلف من زهد.
- و الزهد هو السعى في الزرع، و المعرفة هي النمو لذلك الغراس.
- إذن فما دام الجهاد و الاعتقاد بمثابة الجسد، فإن روح هذا الغراس هو النمو
و الحصاد.
- إنه هو المعروف و هو الأمر بالمعروف، إنه كاشف الأسرار، و هو الأسرار التى
تكشف!
- إنه ملكنا اليوم و ملكنا غدا، و القشر عبد للبه العظيم دائما.
- و عند ما قال الشيخ: أنا الحق، و فرض كلامه، ضغط على حلوق كل العميان.
- و عند ما فنيت أنية العبد عن الوجود، ما الذى يبقى اذن؟ ! فكر أيها الجحود.
- و إن كانت لك عين، افتحها و انظر، ما الذى يتبقى بعد"لا"آخر الأمر؟
!
ألا فلتقطع تلك الشفة و الحلق و الفم،
التى تبصق على القمر أو على السماء.
- فإن البصقة تعود إلى وجهها دون شك، إذ لا تجد البصقة سبيلاً إلى الفلك.
- و حتى القيامة تنهمر عليها البصقات من الرب، مثل"تبت"على روح أبى
لهب.
- إن الطبول و الرايات هى ملك السلطان، و كلب ذلك الذى يدعوه شرها أكولاً.
- و السموات عبيد لقمره، و المشرق و المغرب كلاهما، متقوت منه.
- ذلك أن"لولاك"موجودة على توقيعه، و الناس جميعاً فى انعامه
- و لو لم يكن موجوداً لما دار الفلك، و لما وجد النور، و لما صار موضعاً للملائكة.
- و لو لم يكن موجودا لما وجدت البحار الهيبة و الأسماك و الدر الملكى
- و لو لم يوجد لما وجدت الأرض الكنوز
فى باطنها، و الياسمين على ظهرها
- فالأرزاق نفسها طاعمة لرزقه، و الثمار ظمأى الشفاه لمطره.
- انتبه فهذه العقدة معكوسة فى أمرها، إنه معط الصدقة لمن يهبه الصدقة.
- إن لك من الفقير كل هذا الذهب و الحرير، هيا أيها الفقير و اعط الزكاة للغنى.
- أيكون عار مثلك زوجاً لمقبول الروح، مثل تلك الزوجة الكافرة تحت نوح.
- و لو لم تكونى منسوبة إلى هذه الدار، لمزقتك إربا في التو و اللحظة.
- لكنى مع أهل"منزل"سلطان الزمن، لا يتأتى هذا التعدى منى.
- اذهبى، و داومى الدعاء، فأنت كلبة فى هذا الموطن، و إلا لفعلت الآن ما ينبغى
أن يفعل! !
عودة المريد من منزل الشيخ و سؤاله الناس
حتى دلوه على أن الشيخ ذهب إلى غابة كذا
- و بعد ذلك صار سائلاً كل إنسان، و أخذ يبحث عن الشيخ كثيراً فى كل صوب.
- ثم قال أحدهم «إن قطب الديار، قد ذهب يحتطب فى الجبل.
- فذهب ذلك المريد ماض الفكر كذى الفقار سريعاً نحو الآجام في هوى الشيخ.
- إن الشيطان لا يزال يوسوس فى لب المرء حتى يختفى القمر فى الغبار.
- "أخذ يتساءل"لماذا يتخذ شيخ الدين هذا مثل هذه المرأة رفيقاً و
جليساً فى الدار؟ ! - و من أين يكون إئتناس الضد مع الضد؟ ! و من أين يكون النسناس
مع إمام الناس؟ ! - ثم أخذ يردد الحولقة سريعاً قائلاً: اعتراضى عليه من قبل الكفر
و الحقد! !
- فمن أكون أنا مع تصاريف الحق؟ بحيث تأتى نفسى بالإشكالات و الاعتراضات؟ !
- و سريعاً ما كانت نفسه تهاجمه، فيكون فى قلبه مما عرف كدخان القش.
- قائلة: أية نسبة للشيطان مع جبريل، بحيث يصير معه صاحباً و رفيقاً فى القيلولة؟
! - و كيف يستطيع الخليل أن يأتلف مع النار؟ ! و كيف يستطيع الدليل أن ينسجم مع قاطع
الطريق؟ !
بلوغ المريد المراد و لقاؤه مع الشيخ بالقرب من تلك الأجمة
- كان مستغرقاً فى هذه الأفكار عند ما ظهر الشيخ الشهير سريعاً و قد امتطى أسداً.
- كان الأسد الهصور يحمل عنه حطبه، و فوق الحطب ركب ذلك السعيد.
- و من شرفه كان سوطه ثعبان، و قد أمسك به فى يده كالخيزران.
- فاعلم دائما على سبيل اليقين أن كل شيخ موجود يمتطى الأسد الهائج!
- فبالرغم من أن الأمر كان محسوساً عند ذاك و ليس محسوساً عند هذا، لكن هذا
الأمر لا يلتبس على عين الروح.
- و هناك مئات الآلاف من الأسود تحت أفخاذهم، ناظرة إلى المستقبل عالمة بالغيب
حاملة للحطب.
- لكن الله جعل الأمر محسوساً لواحد بعد واحد، حتى يراه أيضاً من ليس برجل"الطريق"
- و رآه من على البعد و ضحك ذلك العظيم و قال: لا تستمع إليها يا مفتونا بالشيطان.
- لقد علم ضميره أيضاً ذلك الجليل، و من نور القلب، إنه نعم الدليل! ! - تلا
عليه ذو الفضائل ذاك، ما حدث له بالتفصيل في الطريق و حتى تلك اللحظة.
- ثم انطلق فى الحديث ذلك المتغنى بطلاوة، عن مشكلة إنكاره للزوجة.
- و أن هذا التحمل ليس من هوى النفس، هذا خيال نفسك أنت، فلا تتوقف عنده.
- و إن لم يكن صبرى يتحمل ثقل امرأة، فمتى كان الأسد الهصور يكون مسخراً لى؟
! - إننا جمال ذات سنامين فى سباق، سكارى مجردون عن الذات تحت أثقال الحق! ! - و لست
أنا فيما يتصل بأمر الله و قضائه بنصف ساذج حتى أفكر فى شنعة العوام.
- فأمره هو العالم و الخاص بالنسبة لنا، و أرواحنا مسرعة على وجوهها باحثة عنه
- و انفرادنا و اقتراننا ليس من الهوى، و أرواحنا ككعب النرد في يد الله
- إننا نتحمل دلال تلك البلهاء و مائة مثلها، لا عشقاً للونها و لا هياماً فى
رائحتها - إن هذا القدر فى حد ذاته درس لمريدينا، فإلى أى مدى يكون كر ملحمتنا و فرها؟
!
- إلى أين؟ ! إلى الموضع الذى لا طريق له، فليس ثم إلا سنا قمر برق الله!
- انه بعيد عن كل الأوهام و التصورات، إنه نور فى نور فى نور.
- و إن كنت قد نزلت"بمستوى"القول من أجلك، حتى تأتلف مع الرفيق سيىء
الطبع.
- حتى تحمل ضاحكا و سعيداً أحمال الحرج، من أجل"الصبر مفتاح الفرج"!
!
- و عندما تأتلف مع خسة هؤلاء الأخساء، تصبح و اصلا فى نور السنن.
- فكثيراً ما ذاق الأنبياء إيذاء الأخساء، و كثيراً ما تألموا من أمثال هذه
الأفاعى.
- و لما كان مراد الإله الغفور و حكمه في القدم هو التجلى و الظهور! !
- فلا يمكن اظهار الضد دون ضده، و لم يكن هناك ضد لذلك المليك الذى لا نظير
له.